زدني بفرط الحب فيك تحيراً
- يقول ابن الفارض:
زدني بفرط الحب فيك تحيراً،
وارحم حشاي بلظى هواك تسعراً.
وإذا سألتك أن أراك حقيقة،
فاسمح، ولا تجعل جوابي: لن ترى.
يا قلب! لقد وعدتني في حبهم،
صبراً فاحذر أن تضيق وتضجرا.
إن الغرام هو الحياة، فمت به،
صباً، فحقك أن تموت وتُعذرا.
قل للذين تقدموا قبلي، ومن
بعدي، ومن أضحى لأشجاني يرى.
عني خذوا، وبِي اقتدوا، ولي اسمعوا
وتحدثوا بصبابتي بين الورى.
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا
سر أرق من النسيم إذا سرى.
وأباح طرفي نظرة أملتها،
فغدوت معروفاً وكنت منكراً.
فدهشت بين جماله وجلاله،
وغدا لسان الحال عني مخبراً.
فأدر لحاظك في محاسن وجهه،
تلقَ جميع الحسن فيه، مصوراً.
لو أن كل الحسن يكمل صورة،
ورآه كان مهللاً ومكبراً.
إن كان منزلتي في الحب عندكم
- يقول ابن الفارض:
إن كان منزلتي في الحب عندكم،
ما قد رأيت، فقد ضيعت أيامي.
أمنية ظفرت روحي بها زمناً،
واليوم أحتاجها أضغاث أحلام.
وإن يكن فرط وجدي في محبتكم،
إثماً فقد كثرت في الحب آثامي.
ولو علمت بأن الحب آخره
هذا الحمام، لما خالفت لوامي.
أودعت قلبي إلى من ليس يحفظه،
أبصرت خلفي، وما طالعت قدامي.
لقد رماني بسهم من لواحظه،
أصمى فؤادي، فوا شوقي إلى الرامي.
آهاً على نظرة منه أسر بها،
فإن أقصى مرامي رؤية الرامي.
الحب ما منع الكلام الألسن
- يقول المتنبي:
الحب ما منع الكلام الألسن،
وألذ شكوى عاشق ما أعلنا.
ليت الحبيب الهاجري هجر الكرى،
من غير جرم واصلي صلة الضنى.
بنا فلو حلّيتنا لم تدري ما
ألواننا مما امتقعنا تلوّنَا.
وتوقدت أنفاسنا حتى لقد،
أشفقت تحتريق العواذل بيننا.
أفدي المودّعة التي أتبعتها،
نظراً فرادى بين زفرات ثنا.
أنكرت طارقة الحوادث مرة،
ثم اعترفت بها فصارت ديدناً.
وقطعت في الدنيا الفلا ورائبي،
فيها ووقتي الضحى والمهدنة.
أضمرت نار الحب في قلبي
- يقول أبو نواس:
أضمرت نار الحب في قلبي،
ثم تبرأت من الذنب.
حتى إذا لججت بحر الهوى،
وطمت الأمواج في قلبي.
أفشيت سري وتناسيتني،
ما هكذا الإنصاف يا حبي.
هبني لا أستطيع دفع الهوى،
عني أما تخشى من الرب؟
يعلمني الحب ألا أحب
- يقول محمود درويش:
يعلمني الحب ألا أحب، وأن أفتح النافذة
على ضفة الدرب. هل تستطيعين أن تخرجي من نداء الحبق،
وأن تقسميني إلى اثنين: أنت، وما يتبقى من الأغنية؟
وحب هو الحب. في كل حب أرى الحب موتاً لموت سبق،
وريحاً تعاود دفع الخيول إلى أمها – الريح بين السحابة والأودية.
ألا تستطيعين أن تخرجي من طنين دمي كي أهدد هذا الشغف؟
وكيف أسحب النحل من ورق الوردة المعدية؟
وحب هو الحب، يسألني: كيف عاد النبيذ إلى أمه واحترق
وما أذكى الحب حين يعذب، حين يخرب نرجسة الأغنية.
يعلموني الحب أن لا أحب، ويتركني في مهب الورق.
أيام الحب السبعة
- يقول محمود درويش:
الأحد: مقام النهوند
يحبك، اقتربي كالغيمة، اقتربي
من الغريب على الشباك يجهش بي:
أحبها. انحدري كالنجمة، انحدري
على المسافر كي يبقى على سفر:
أحبك. انتشري كالعتمة، انتشري
في وردة العاشق الحمراء، وارتبكي
كالخيمة ارتبكي في عزلة الملك…
الأربعاء: نرجسة
خمس وعشرون أنثى عمرها. ولدت
كما تريد… وتمشي حول صورتها
كأنها غيرها في الماء: ينقصني
حب لأقفز فوق البرج… وابتعدت
عن ظلها، ليمر البرق بينهما
كما يمر غريب في قصيدته…
لله در الحب ماذا يصنع
- يقول المعتد بن عباد:
لله در الحب ماذا يصنع،
يَعنُو له ملك الزمان ويخضع.
للحُب سلطان عظيم شأنه،
مهما يقل قولاً فقلبٍ يسمع.
إن يغر بالهجران مالك مهجتي،
أقبل إليه بحالتي أتضرع.
ماذا انتفعت بحالتي عند الهوى،
حال الهوى أبداً أجلّ وأرفع.
في الحب روعات وتعذيب
- يقول أبو نواس:
في الحب روعات وتعذيب،
وفيه، ياقوم، الأعاجيب. من لم يذق حباً، فإنّي امرؤ
عندي من الحب تجاريب. علامة العاشق في وجهه،
هذا أسير الحب مكتوب. وللهوى فيّ صيود على
مدرجة العشاق منصوب. حتى إذا مر محب به،
والحِين للإنسان مجلوب. قال له، والعين طمâحة
يلهو به، والصبر مغلوب. ليس له عيب سوى طيبه،
وبأبي من عيبه الطيب. يسب عرضي، وأقي عرضَه،
كذلك المحبوب مسبوب.
يجانبنا في الحب من لا نجانبه
- يقول البحتري:
يجانبنا في الحب من لا نجانبه،
ويبعد منا في الهوى من نقاربه.
ولا بد من واشٍ يتاح على النوى،
وقد تجلب الشيء البعيد جوانبه.
أفي كل يوم كاشح متكلف،
يصُب علينا، أو رقيب نراقبه.
عنا المستهام شجوه وتطاربه،
وغالبَه من حب علوة غالبُه.
وأصبح لا وصل الحبيب ميسراً
لديه، ولا دار الحبيب تصاقبه.
مقيم بأرض قد أبن معرجاً
عليها، وفي أرض سواها مآربه.
سقى السفح من بطياس فالجيرة التي
تلي السفح، وسمي، درك سحائبه.
فكم ليلة قد بتت هناك ناعماً،
بعيني عليل الطرف بيض ترائبه.
متى يبدو يرجع للمفيق خياله،
ويرتجع الوجد المبرح واهبه.
ولم أنسَه، إذ قام ثاني جيدهِ
إلي، وإذ مالَتْ إليّ ذوائبه.
عناق، يهدّ الصبر وشك انقضائه،
ويذكي الجوى أو يسكب الدمع ساقبُه.