هل يجوز الصيد في الأشهر الحرم؟ وهل الأشهر الحرم محرمة من قبل الإسلام؟ يتساءل العديد من المسلمين عن جواز الصيد خلال الأشهر الحرم التي نعرف جميعنا بأنه يحرم على المسلمين فيها أشياءً عدة على رأسها وأهمها القتال وأي عدوان حتى وإن كان بوجه حق، وسنجيب عن هذا السؤال بدقة وتفصيل عبر موقع القمة، وفق ما ورد في كتاب الله وفي السنة النبوية الشريفة.
هل يجوز الصيد في الأشهر الحرم
الإجابة عن سؤال هل يجوز الصيد في الأشهر الحرم هي نعم، فلم يرد في الشريعة الإسلامية ولا في تعاليم الدين ما يشير إلى أن الصيد حرام خلال الأشهر الحرم، ولقد تأكد في الدين أن صيد الطيور أو غيرها حلال في أي زمان ومكان إلا في حال كان الشخص مُحرمًا بالعمرة أو الحج.[1]
أو إذا كان الصيد يتم في الحرم حتى وإن كان الصيد حلالًا فإن الصيد هنا يكون حرامًا، والدليل على ذلك هو قول الله تعالى:
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [سورة المائدة: الآية 96].
كما أن الصيد يكون حرامًا إذا كان الغرض منه اللهو فقط، والدليل على ذلك ما ورد في الحديث الشريف التالي:
“عن عبد الله بن عباس رضيَ الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن سَكن الباديةَ جَفا ومَن اتَّبع الصَّيد غَفَلَ ومَن أتَى السُّلطانَ افتُتِنَ”
[حدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود].
اقرأ أيضًا: هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الظهر
ما هي الأشهر الحرم
عرفنا هل يجوز الصيد في الأشهر الحرم أم لا وسنتعرف أكثر إلى هذه الأشهر، وفي التراث العربي القديم حتى من قبل مجيئ الإسلام كانت هناك أربعة أشهر حرم وسميت باسم الأشهر الحرم آنذاك لأن القتال كان محرمًا فيها إلا إذا كان الحرب ردًا على عدوان، وتلك الأشهر هي محرم وذو الحجة وذو القعدة وجميعها متتالية إلا شهر رجب يأتي منفردًا فيما بين شهري جمادى وشعبان.[2]
كانت دية القتيل في إحدى هذه الأشهر أكثر غلظة من ديته في أي من شهور السنة الأخرى، وكان الغرض من تحديد هذه الأشهر الأربعة الحرم أيام الجاهلية الأولى هو تمكين الحجاج والتجار والراغبين في الشراء من الوصول إلى أماكن العبادة والتجارة داخل شبه الجزيرة العربية في أمان.
لقد حافظ العرب جميعهم على هذا التقليد وراعوه واحترموه إلا بنو خثعم وبنو طي حيث كان هؤلاء هم فقط الذين استحلوا القتال في الأشهر الحرم.
الأشهر الحرم في الإسلام
عندما أتى الإسلام حفظ حرمة هذه الأشهر ونهى جميع المسلمين عن انتهاكها والدليل على ذلك ما ورد في كتاب الله العزيز:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [سورة التوبة: الآية رقم 36].
كما جعل الله سبحانه وتعالى أي قتال وأي ذنب يرتكب فيها أو أي تعدٍ بذنب مضاعف وليس كما يكون وزره في الأيام العادية، وإذا لم يشدد الله على حرمة هذه الأشهر لاستشاط العرب غضبًا آنذاك وزاد نفورهم من الإسلام الذي كانوا يعتبرونه تضييقًا للخناق عليهم وتهديدًا صريحًا لكل مصالحهم ومتعتهم في الحياة.
“عن أبي بكرة نفيع بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ، أيُّ شَهْرٍ هذا؟ قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ ذُو الحِجَّةِ؟ قُلْنا: بَلَى، قالَ: فأيُّ بَلَدٍ هذا؟…..
قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ البَلْدَةَ؟ قُلْنا: بَلَى، قالَ: فأيُّ يَومٍ هذا؟ قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ يَومَ النَّحْرِ؟ قُلْنا: بَلَى، قالَ: فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ -قالَ مُحَمَّدٌ: وأَحْسِبُهُ قالَ- وأَعْراضَكُمْ علَيْكُم حَرامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا…..
في شَهْرِكُمْ هذا، وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عن أعْمالِكُمْ، ألَا فلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ، ألَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ؛ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَن يُبَلَّغُهُ أنْ يَكونَ أوْعَى له مِن بَعْضِ مَن سَمِعَهُ -فَكانَ مُحَمَّدٌ إذا ذَكَرَهُ يقولُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ثُمَّ قالَ: ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ” [حدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
أسباب تسمية الأشهر الحرم الأربعة
في الفقرات القادمة نوضح أسباب تسمية كل شهر من الأشهر الحرم على حدة:
1- شهر محرم
شهر محرم هو أول أشهر السنة الهجرية وهو الشهر الوحيد الذي تعود نسبته لله تعالى حيث قال عنه شهر الله المحرم، وذلك إن دل على شيء فيدل على مدى خصاصته وحرمته لأن الله حرمه بنفسه، وأشار الإمام بن رجب إلى أن أفضلية شهر محرم تأتي مباشرة بعد أفضلية شهر رمضان.
2- شهر رجب
رجب هو شهر من الأشهر الحرم ومشتق من كلمة الترجيب والترجيب هو التعظيم لأنه من الأشهر المعظمة عند الناس، كما أن هذا الشهر سمي بعدة أسماء أخرى ومنها شهر رجم لأن الشيطان كان يرجم فيه، وسميّ أيضًا بشهر الأصب لأن الرحمات تنزل فيه على العباد مثلما ينزل المطر من السماء، وسميّ بشهر الأصم لأن المسلمين يمتنعون فيه عن القتال، وسمي باسم المعلى والمعكعك والمقيم نسبة لثبوت الرحمة فيه وإقامتها.
3- شهر ذو القعدة
ذو القعدة هو الشهر رقم 11 من ترتيب أشهر السنة الهجرية ويأتي عقب شهر شوال ويتبعه شهر ذي الحجة، ولقد سمي بهذا الاسم لأن الناس حتى من قبل أن ينزل الإسلام يقعدون فيه عن الحروب والقتال.
اقرأ أيضًا: هل يجوز الزنا للضرورة
4- شهر ذو الحجة
ذو الحجة هو الشهر رقم 12 والأخير من أشهر السنة الهجرية وعدد أيامه إما 29 أو 30 يوم، وسمي بهذا الاسم لأن المسلمين يؤدون فيه مناسك الحج ولقد خص الله تعالى العشر أيام الأولى منه بالفضل ومضاعفة الأجر وهي أفضل أيام العام وتستحب فيها الأعمال الصالحة بمختلف أشكالها.
“عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ”. [حدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
يتوجب علينا جميعًا كمسلمين أن نراعي حرمة أشهر الله الحرم، فهي غير مقتصرة على حظر القتال بل على كل وزر وذنب يرتكبه المسلم لأنه يكون مضاعفًا وثقيلًا جدًا وفيه إغضابًا أكثر لله.