هل يجوز الترحم علي المنتحر هو سؤال تردد صداه كثيرًا خاصةً في الآونة الأخيرة، حيث تشهد جميع بقاع العالم في كل لحظة زهق الأشخاص لأرواحهم واحدًا تلو الآخر، فأصبح السؤال عن كونهم لا زالوا في المِلة أم خرجوا منها وما شابه هو الشغل الشاغل، وهذا ما سنقوم بتوضيحه عبر موقع القمة.
هل يجوز الترحم علي المنتحر
في إطار الظروف العصيبة على كافة الأصعدة، ومع انخفاض الوازع الديني، وتزعزع الاستقرار النفسي أصبحت الخطوة الأولى التي لم تأتِ وليدة اللحظة، بل هي حصاد أوقات طويلة من الآلام التي تأكل في نفس صاحبها ولا يجد ما يحاربها به، أو ربما لا يحاول في الطريق الصحيح.[1]
تكون النتيجة في النهاية الحكم على نفسه بالرحيل مُعلنًا عن استسلامه، يتناول هذا الأمر العديد من الجوانب نختص بالجانب الشرعي منها والذي يعد واحد من أهمها هو هل يجوز الترحم علي المنتحر، وذلك الأمر قد أباحه الفقهاء.
حيث إن المنتحر برغم وقوعه في كبيرة من الكبائر، وظلم نفسه ظلمًا كثيرًا إلا أنه يظل يُعامَل معاملة المسلمين من حيث الغُسل، والتكفين، والصلاة عليه، ومن ثم الدفن في مقابرهم.
في إطار ما سبق أُجيز الترحم على المنتحر لأن مرحلة الصلاة عليه هي في أساسها دعاء له بالمغفرة والعفو، والتثبيت عند السؤال، وتوسيع مُدخله، فبتالي لن يتم الحجر على طلب الرحمة له.
اقرأ أيضًا: هل يجوز الترحم على غير المسلم ابن عثيمين
حكم الانتحار في الإسلام
بعد معرفة هل يجوز الترحم علي المنتحر بأنه يصح، فإن ذلك لا يُعد تشجيعًا وتدعيمًا لمن يُفكر في الأمر والإقدام عليه، إذ إن المعضلة ليست في الترحم أو عدمه، بل فيما سيلقاه المنتحر جراء فعلته تلك -وذلك بمشيئة الله وحده إن أراد رحمه، وإن أراد عذبه-
لكن وطبقًا لما ورد في شريعة الله وكتابه الذي تُتلى آياته إلى يوم الدين بتحريم قتل النفس بشكلٍ عام، ومن تلك الدرر القرآنية نذكر ما يلي:
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29 – 30]
حيث يتبين لنا من تلك الآيات أن الله عليمٌ بذات الصدور، وخبير بما يعاني منه عباده، ولذلك ذكّرهم بصفة الرحمة، وفي ذلك إشارة إلى أنها حتمًا ستشملهم مهما ضاقت بهم الدنيا ذرعًا.
لذلك كان إصرار الإنسان على تلك الخطوة وهو عالمًا بكونها حرامًا، وهو مُتعمدًا لها، فجزاؤه النار -إلا أن يحكم الله بغير ذلك كما شاء-.
أيضًا لم تغفل السنة النبوية الشريفة بأن تذكر حرمة الانتحار، وذلك من خلال حديث اُستخدمت فيه أشد الألفاظ، وذلك تعبيرًا عن مدى جرم وبشاعة تلك الخطوة، وذلك كما يلي:
“عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَن قَتَلَ نَفْسَهُ بحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بها في بَطْنِهِ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا،
ومَن شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهو يَتَحَسَّاهُ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهو يَتَرَدَّى في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا” [رواه مسلم].
في ذلك الحديث تبيانًا لمصير المُنتحر يوم القيامة بأن الأداة أو الوسيلة التي استخدمها لقضاء أجله الذي لم يقضه الله له، ستكون هي وسيلة عذابه في ذلك اليوم.
ما الذي يجب فعله عند الشعور برغبة الانتحار
في إطار الحديث عن الانتحار والعقوبة المُترتبة عليه والتي تندرج صعوبتها في أنها تكون في الآخرة فلا توجد فرصة للتوبة.
نُلقي الضوء على بعض الأفعال التي بها يتم التعامل برفقٍ وحرصٍ مع الرغبة في الانتحار حتى لا تنفلت أقدامنا نحو الهاوية، وذلك على النحو التالي:
- عدم اليأس من رحمة الله مهما بلغ كِبر حجم المشكلة أو الابتلاء الواقع فيه، فالأكيد أن الله أكبر، وأنه سبحانه مثلما قدّر حدوث البلاء، فمُقدّر فرجه وانكشافه.
- من تعرّف إلى الله في الرخاء، تعرّف إليه في الشدة، وذلك يعني عدم ترك الأوقات التي تُسمى “عادية” بدون استغلالها في التعرّف إلى الله، والتقرّب منه ومعرفة كيفية التعامل وقت البلاء.
- عدّ نِعم الله التي لا تُحصى، لأن تلك مهمة الشيطان الأولى {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17]، والتي في حال نجاحه فيه تكون بداية الانفلات نحو ما لا يرضي الله مثل الانتحار، لأنه حينها يسكن السخط بداخل القلب.
- محاولة البحث عن أسباب المشكلة، والسعي وراء حل المُستطاع منها، وتمالك النفس والرضا فيما لا تستطيع.
- زيارة الطبيب النفسي لا يعتبر حرامًا، أو عيبًا، أو سُبّة، بل هو من الأخذ بالأسباب الذي يكون المرء مأجورًا عليه.
- قراءة سيّر الصحابة والأنبياء ومعرفة كمّ المعاناة التي كانوا يشعرون بها، ليس تقليلًا من همك، بل من باب المؤازرة وتعلّم كيفية مواجهة الصعاب.
- التحدث المستمر مع الله، واليقين بكونه قريبًا، وسميعًا ومجيبًا، وأنه حتى لو تركتك الدنيا بأسرها، لن يتركك هو سبحانه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4].
اقرأ أيضًا: حكم تعزية غير المسلم والترحم عليه وتسميته بالشهيد
طرق التواصل مع دار الإفتاء المصرية
من البديهي وفي حال الحديث عن أي أمر يحتاج إلى فتوى شرعية، لا بد من الرجوع إلى الجهة الرسمية الأولى والمُتخصصة في إصدارها ألا وهي دار الإفتاء المصرية.
حيث إن دار الإفتاء تتيح إمكانية تواصل العامّة معهم، للإجابة عن كافة استفساراتهم، وذلك من خلال أيٍ من الطرق التالية:
الموقع الإلكتروني | من هنا |
فيس بوك | من هنا |
تويتر | من هنا |
يوتيوب | من هنا |
رقم الهاتف | 0225970400 |
البريد الإلكتروني | [email protected] |
إن النفس عند الله غالية ولأجلها شرّع أشد الأحكام الشرعية التي لا تبيح حتى أذيتها بكلمة، فكيف الحال عندما يغفل الإنسان عن قيمته ويكون هو من يؤذيها بإقدامه على الانتحار.