الزوج المتسلط في الإسلام يعد محل بحث وتساؤل الكثير من النساء، اللاتي طالما عانت من تحّكم الزوج بدرجة أكبر من الطبيعية أو المفروضة، وحينما تحاول الاعتراض يتم اتهامها بأنها تخالف شرع الله، لذلك سيقوم موقع القمة بعرض الأسس السليمة للحياة الزوجية دون تسلط من الزوج، أو نشوز من الزوجة.
الزوج المتسلط في الإسلام
كم من زوجٍ استخدم سلطته على زوجته بشكلٍ تعسفي، مُتحججًا بأنه لا يفعل حرامًا ولا عيبًا بل هذا ما وهبه إليه الشرع من حقوق، وكم من زوجة ضاقت بها الحياة ذرعًا من تسلط زوجها الذي يفوق حد الاختناق، كثير هم أليس كذلك؟[1]
فعلى الرغم من أن ديننا الحنيف لم يأتِ مُسلّمًا رقبة أحدٍ للآخر في أي حال، فما البال بعلاقة الزواج الذي حين وصفها المولى عز وجل قال عنها مودة ورحمة، فأي مودة وأي رحمة ينبعان من جوف التسلط والترهيب.
فبشكلٍ مبدئي يجب أن نتذكر أن الله سبحانه وتعالى وهب للرجال ما يُعرف بالقوامة، وهي في أصلها تكليفًا وتشريفًا، ولا تُعني التحكّم المُفرط، على إثر ذلك فإن التسلّط على الزوجة من أكثر الأمور التي تهدم أعمدة المحبة والاحترام أيضًا بين الزوجين.
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
يتبين لنا من تلك الآية أن القوامة مشروطة، بأن يكون الرجل مُنفقًا، فإن لم يستطع، سقطت قوامته شرعًا وقانونًا، كما أن الله عز وجل جعل قوامة من باب الحفاظ على المرأة وحمايتها وتلبية طلباتها.
ذلك على عكس ما يظنه البعض أن القوامة فُرضت للتعسف في حق المرأة وإرغامها على فعل ما لا تريد، بل إن من يتعامل على هذا الأساس مستندًا على الشرع، فهو على خطأ بيّن.
اقرأ ايضًا: كيف أتعامل مع الزوج الخائن
حكم تسلط الزوج في الأحاديث النبوية
استكمالًا لمعرفة حكم الزوج المتسلط في الإسلام، نتطرقهنا إلى السيرة النبوية العطرة التي ربما لم يرد فيها نصًا صريحًا بحرمة التسلط، لكن ورد ما هو أعمّ وأشمل، واللبيب بالإِشارة يفهمُ.
“اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ” [رواه البخاري ومسلم].
يا معشر الرجال الذين نسوا أن رسول الله صلى الله عليه الذي لا ينطق عن الهوى، قد وصّاهم بالنساء خيرًا، وبيّن لهم الطريقة المحمدية للتعامل مع المرأة، حيث وصفها بأنها خُلقت من ضلعٍ أعوج وليس في ذلك الوصف ما يعيب المرأة.
بل في ذلك دليل على أنه ولا بد أن يجد الرجل في المرأة ما لا يفهمه أو يُرضيه بشكلٍ كامل، لكن عليه أن يعي أن ذلك من طبيعتها المُتأصّلة، التي إن حاول تغيرها، كُسرت.
على إثر ذلك الحديث الشريف كيف يمكن لأي رجل أن يتحجج بأن الشرع قد أجاز له أن يكون مُتسلطًا وقاهرًا لزوجته، وحتى إن لم يصل إلى درجة الإقناع فذاك حديث آخر:
“عن عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكم خَيْرُكم لِأَهْلِه، وأَنا خَيْرُكم لِأَهْلي” [أخرجه الترمذي].
ففي هذا الحديث قولًا صريحًا بأن أفضل الناس هو من يُحسن معاملته مع أهله بأسرهم بما فيهم الزوجة، والأولاد وغيرهم، ولم يكن هناك أفضل من المصطفى عليه صلوات الله وتسليمه.
فلم يرد لنا من آثار الهدي النبوي التي عليها نقتفي أن رسول الله قد عنّف إحدى زوجاته، أو أجبرها على ما لا تريد مُستخدًما سلطته كزوج، أو حتى مكانته كنبي الله عز وجل.
اقرأ أيضًا: الرد على إهانة الزوج
حقوق الرجل على زوجته في الإسلام
في إطار الحديث عن الزوج المتسلط في الإسلام، فلا بد أن نوضّح حق الزوج على زوجته ونبدأ بما هو مفروض عليها لنبيّن أن من هذه الواجبات لن نجد أبدًا الرضا أو الموافقة على التسلط، والتي نذكر بعضًا منها على النحو التالي:
1- حق الطاعة
إن من أول حقوق الزوج على زوجته أن تُطيعه في غير مُنكر أو معصية لله، وهذا فرضًا عليها وليس تفضلًا منها، لكن من الجدير لفت انتباه الرجل بأنه يملك القدرة على جعل تلك الطاعة مُحببة إلى قلب زوجته.
أما بالنسبة للمرأة وجب عليها أن تعي ذلك الأمر قبل أن تخطو خطوة الزواج، لأنها بمجرد أن أصبحت في عصمة زوجها فُرض عليها طاعته، فعليها أن تختار من ترتضيه حتى يمارس قوامته بما لا يؤدي إلى وجود ضيقٍ في صدرها منه.
2- عدم منعه من حقه الشرعي
إن الزواج من طيبات الحياة التي رزق الله عباده، ومن أهم ثمراتها أن يتعفف الإنسان عن كل ما هو حرام ويُغضب الله من سائر الشهوات، بل إن إتيان تلك الغريزة في إطار الزواج عليها أجرًا عظيمًا.
لذلك كان من الأفعال التي يحرم على -كلا الطرفين- القيام بها هو منع الأخر من الحصول على حقه الشرعي، لكن يعد ذلك الخطاب موجّهًا للمرأة لأن الغالب أنها من تفعل ذلك على عكس الرجل.
“عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دَعا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِراشِهِ، فأبَتْ أنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ” [رواه البخاري].
حقوق الزوجة على زوجها في الإسلام
بعدما أوضحنا بعضًا من حقوق الزوج على زوجته، نتطرق إلى أصل موضوعنا وهو الزوج المتسلط في الإسلام، ونلقي الضوء على الأمور التي فرضها الله عليه لكي يقارن بينها وبين معتقده من إباحة التسلط، وذلك على النحو التالي:
1- النفقة وإعطائها حقوقها المالية
من أهم حقوق الزوجة على زوجها أن يكون عليها مُنفقًا بالمعروف لا إسرافًا ولا تقتيرًا، وذلك لأنها بمجرد الزواج تسكن في بيته ولا تملك مصدرًا تكسب منه المال، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم بتسلّط أو إجبارها أن تنفق مالها كما يحب هو -ما دامت لا تفعل حرامًا-.
اقرأ أيضًا: صفات المرأة المتسلطة في علم النفس وكيفية التعامل معها
2- المعاملة الحسنة
تعددت الأوامر النبوية عن ضرورة حُسن معاملة الزوجة، وتقوى الله فيها، وأن الرجل حتمًا عليها مسؤول، ومن زمرة تلك الأحاديث نذكر ما يلي:
“عن جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ؛ فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ…” [رواه مسلم].
جاءت تلك الفقرة من حديثٍ طويل للمصطفى صلى الله عليه وسلم يُحدث فيه عن أمور الدين، وتطرقه إلى معاملة النساء بتلك اللهجة القوية فيه إشارة عظيمة على أن الأمر لا مجال فيه للتهاون.
على إثر فإن الزوج المتسلط في الإسلام يعد من الرجال الذين لم ينفذوا وصية رسول الله، خاصةً بعد علمهم بجرم ما يفعلون، وبرغم ذلك يصرون عليه.
إن النساء من المُستضعفين في تلك الدنيا واللاتي كفل الله لهن حقوقهن المردودة في أي الأجلين، وتسلط الرجل على زوجته، يجعله يلج بابًا ليست محمودة عواقبه التي هو عنها أغنى.