هل الكذب يبطل الصيام؟ وهل نية الإفطار تُفطر حتى لو لم تقع مبطلات الصيام؟ نظرًا إلى وجود العديد من الأفعال التي يرتكبها العبد دون وعي منه بتأثيرها على صيامه، فسنعرض معًا اليوم عبر موقع القمة الإجابة عن الأسئلة المطروحة إلى جانب معرفة مُبطلات الصيام وبعض الأحكام الأخرى المُتعلقة بالصوم.
هل الكذب يبطل الصيام
الصوم فرض على كل مسلم بالغ عاقل، وهو سر بين العبد وربه، لا يُمكن أن يطلع عليه أحد سوى الله -عز وجل- والغاية التي تم تشريع الصيام من أجلها هي تقوى الله، وارتكاب الذنوب والمعاصي يختفي على الأغلب في تلك الأيام المباركة، ولا يُمكن التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- في هذه الأيام بترك الشهوات المباحة في غير وقت الصوم إلا بترك المحرمات، والتي تتمثل في الكذب والظلم وما شابه.[1]
وذلك بالاستناد إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: -: “من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ” سنن الترمذي، كما جاء في أمر حفظ اللسان من اللهو والكذب والسب الحديث: “لا تُسابَّ وأنتَ صائِمٌ، وإنْ سابَّكَ أحدٌ؛ فقلْ: إنِّي صائِمٌ، وإنْ كُنْتَ قائِمًا فَاجْلِسْ” صحيح الموارد.
كما جاء عن جابر بن عبد الله قول: “إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء“.
في حالة أن يقع العبد في ذنب الكذب في رمضان يكون كل ما عليه هو التوبة إلى الله عز وجل بالاستغفار والعزم على عدم العودة للذنب مرة أخرى، ولا يلزم في هذه الحالة أن يتم قضاء اليوم الذي وقع فيه الكذب.
اقرأ أيضًا: ما هي مبطلات الصيام السبعة
هل من نوى الفطر أفطر
في سياق آخر من عرض إجابة سؤال هل الكذب يبطل الصيام، نجد أن السؤال الدارج بين الناس هو هل الصوم يعتمد على النية، والبعض يتساءل عن نية الفطر، فيطرح أحدهم سؤال أنه قد صام وعندما سأله أهل بيته هل أنت صائم، فقال لا، فهل بهذا يكون قد أفطر! وجاء الرد على هذا السؤال من العلماء والمشايخ بما يلي:
الحالة الأولى: إذا كانت النية عند الإخبار بالفطر هي الفطر حقًا فبهذا يكون القائل مُفطر، وذلك لأن من نوى الفطر أفطر لافتقار شرط العبادة وهو النية، وقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث: “إنما الأعمال بالنيات” حديث صحيح.
كما جاء في هذه المسألة قول الموفق رحمه الله في شرح قول الخرقي:” ومن نوى الإفطار فقد أفطر، هَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ“، إلى أن قال: “وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الْفِطْرِ، فَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى بَدَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَا، بَلْ أُتِمُّ صَوْمِي مِنْ الْوَاجِبِ. لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يَكُونَ عَازِمًا عَلَى الصَّوْمِ يَوْمَهُ كُلَّهُ، وَلَوْ كَانَ تَطَوُّعًا كَانَ أَسْهَلَ. وَظَاهِرُ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ“.
الحالة الثانية: أما في حالة ألا يكون الشخص لديه نية الفطر ولكنه فعل ذلك كذبًا، فيكون ذلك ليس من المفطرات وهذا بقول أهل العلم خلافًا للإمام الأوزاعي -رحمة الله عليه-، وقد جاء في الحاوي للماورجي الشافعي قول: “فَلَوْ خَالَفَ هَذَا فَكَذَبَ أَوِ اغْتَابَ أَوْ نَمَّ أَوْ شَتَمَ كَانَ آثِمًا مُسِيئًا وَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: قَدْ أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ.”
كما يجب التنبيه إلى أن على السائل أن يتجنب الكذب وخاصةً أثناء الصيام، وذلك عملًا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ” صحيح الترمذي، وأشار الحافز في الفتح أن المقصود بقول الزور هو الكذب.
التردد في الفطر
جاء بخصوص التردد في الفطر قولان، القول الأول: أن التردد في الفطر يجعله يفطر به وذلك لافتقار شرط النية، والقول الثاني -وهو القول الراجح- أنه لا يفطر بالتردد لأن الأصل هو صحة صومه وحيث إن استصحاب الأصل وهو أنه لم يفسد نيته وهذا كافٍ في ترجيح هذا القول وعدم الفطر بالتردد، وذلك ما رجحه العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع.
بناءً على هذا الأساس فإنه يتم العبد بقضاء الأيام التي عزم على الفطر خلالها، وذلك لأنه يكون قد قطع النية وبالتالي فقد تم إفساد الصوم، ولا تُبرأ الذمة إلا بالقضاء، وأما الأيام التي تم التردد فيها في الفطر فلا يلزم قضاؤها، ولكن في حالة قضائها للخروج من الشك والخلاف كان أفضل.
أنواع مُبطلات الصيام
في ضوء الإجابة عن سؤال هل الكذب يبطل الصيام، نجد أن هناك 4 أنواع من مُبطلات الصيام وتلك الأنواع تأتي على النحو التالي:
- نوع يُبطل الصيام ويوجب الإثم والكفارة والقضاء: وهو الجماع، وعلى الزوجة أن تقضي كفارته مثل الرجل طالما كانت مُطاوعة لفعل ذلك، وبعض العلماء لا يرى عليها كفارة، والكفارة تأتي على الترتيب؛ العتق وإن عجز فصيام ستين يومًا وإن عجز فإطعام 60 مسكين، وقال بعض العلماء في هذه المسألة أن الكفارة فقط هي الواجبة دون القضاء.
- نوع يبطل الصيام ويوجب القضاء فقط: ولا يتولد عنه إثم أو كفارة وهذا النوع هو الحيض والنفاس حتى لو جاء للمرأة قبل الغروب بثوانِ قليلة.
- نوع يُبطل الصيام ويوجب القضاء والإثم دون الكفارة: وهو الأكل والشرب عن عمد والتدخين، بالإضافة إلى تناول المُخدرات بكافة صورها سواء كانت شربًا أو مضغًا أو استنشاقًا أو حقنًا، وهذا النوع أيضًا يشتمل على إنزال المني المُباشر أو الاستمناء.
- نوع يبطل الصيام ويوجب القضاء فقط دون إثم أو كفارة: وهي الأدوية التي يتم تناولها في الفم شربًا أو امتصاصًا أو بلعًا، وكذلك مُستحضر تجميل الشفاه إذا تخلل منه شيء ووصل إلى المعدة.
اقرأ أيضًا: مبطلات الصيام في القرآن
ما لا يُبطل الصيام
بعد التعرف إلى إجابة سؤال هل الكذب يبطل الصيام، وحيث إن الأمور التي لا تتسبب في إفطار الصائم كثيرة للحد الذي لا يُحصى؛ نجد أنه يُمكن تجميع الأبرز منه بشكل عام فيما يلي من نقاط:
- حجامة.
- احتلام.
- قيء غالب.
- قلس.
- ما تقذفه المعدة عند امتلائها.
- الخارج من الحلق (ما لم يتم تعمد رده بعد حصوله في الفم والقدرة على رميه).
- الدم الخارج من الأسنان أو الجوف (ما لم يتعمد بلعه).
- الحقنة والسعوط وتقطير الأذن، أو في رأس الذكر أو في أنف.
- الاستنشاق (حتى وإن بلغ الحلق).
- مضمضة دخلت الحلق (من غير تعمد)
- الكحل (وإن بلغ إلى الحلق نهارًا أو ليلاً) بعقاقير أو بغيرها.
- العطر أو الحنظل.
- ذباب دخل الحلق بغلبة.
- من رفع رأسه فوقع في حلقه نقطة ماء (بغير تعمد لذلك منه).
- مضغ زفت أو مصطكي أو علك.
- سواك رطب أو يابس.
- مضغ طعام – حتى يستسيغه الطفل – أو تذوقه (ما لم يتعمد بلعه).
- مداواة جائفة أو جرح بالرأس بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك.
- طعام وجد بين الأسنان (أي وقت من النهار وجد) إذا رمي.
- دخول حمام.
- تغطيس في ماء.
- دهن شارب.
- غبار طحن، أو غربلة دقيق، أو حناء، أو غير ذلك.
أشار السلف أن مفسدات الصيام تكون في معصية اللسان كالكذب والغيبة، ومعصية الأذن كالسماع للغيبة إلى جانب معصية العين والتي تكمن في النظرة المُحرمة، ومعصية اليد والرجل، وأشار الجمهور أن تلك الأمور لا تُفطر ولكن الجميع مُتفق على أن المعاصي تذهب ثواب الصيام، لذا يجب تجنب الكذب في رمضان وفي غير رمضان.