مراحل تشريع صيام شهر رمضان من المهم العلم بها، إذ يعد صيام شهر رمضان أمر من الله تعالى، ولكن لم يفرض الصيام على المسلمين كما هو الآن مرة واحدة، إنما مر بعدة مراحل سنتعرف عليها من خلال موقع القمة، كما سنتعرف على تاريخ الصيام من بداية فرض الصيام، وسنذكر معًا فضل صيام هذا الشهر الكريم.
مراحل تشريع صيام شهر رمضان
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وتدل هذه الآية على أمرين وهما:
- أن الصيام فريضة من فرائض الإسلام.[1]
- أن الصيام كان مفروضًا في الكتب السماوية السابقة.
وقد فرض الصيام في الإسلام على عدة مراحل ولم يفرض مرة واحدة، وسنذكر لكم تلك المراحل كل منها على حدة:
1- المرحلة الأولى صيام يوم عاشوراء
تتمثل هذه المرحلة من مراحل تشريع صيام شهر رمضان في صيام يوم عاشوراء وهو متمثل في اليوم العاشر من شهر محرم، والأمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر قمري.
وكانت قريش تصوم هذا اليوم في الجاهلية، ولذلك عندما ذهب الرسول إلى المدينة قام بصيامه وأمر أصحابه بذلك عندما رأى يهود المدينة يصومون يوم عاشوراء ليشكروا الله على نجاة سيدنا موسى وقومه من الغرق.
فعن عبد الله بن عباس: “قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ فوجدَ اليَهودَ صيَّامًا فقالَ ما هذا قالوا هذا يومٌ أنجى اللَّهُ فيهِ موسى وأغرقَ فيهِ فرعونَ فصامَهُ موسى شُكرًا فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ نحنُ أحقُّ بموسى منْكم فصامَهُ وأمرَ بصيامِه” [المصدر: صحيح ابن ماجه].
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء أمرًا إلزاميًا، فعن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُنَا بصِيَامِ يَومِ عَاشُورَاءَ، وَيَحُثُّنَا عليه، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ” [صحيح مسلم].
وبذلك فإن صوم عاشوراء كان واجبًا ثم نسخ وجوبه بفرض صيام شهر رمضان، حيث قال أبو حنيفة وبعض الشافعية أن صيامه كان مندوبًا غير مؤكد الندب غير واجب فلما فرض رمضان أصبح مندوبًا غير مؤكد.
الدليل على ذلك: “عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ في الجَاهِلِيَّةِ، وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلى المَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قالَ: مَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ” [صحيح مسلم].
استمر وجوب صيام عاشوراء سنة واحدة، فقد فرض صيام شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة في شهر شعبان.
اقرأ أيضًا: حكم إزالة الشعر أثناء الصيام في نهار رمضان
2ـ المرحلة الثانية تخيير صيام رمضان
بدأت المرحلة الثانية من مراحل تشريع صيام شهر رمضان، وقد كانت مرحلة تخيير لا جزم، فلم يكن الصيام مكلف على كل مسلم فرض عين فمن شاء صام ومن شاء افطر حتى وإن كان سيفطر دون عذر، لكن بشرط أن يقوم بتقديم الفدية، فكان يمكن للمسلم أن يصوم أو أن يفطر ويُطعم عن كل يوم مسكينًا فديةً لإفطاره.
حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183 – 184].
إذ بدأ تشريع صيام شهر رمضان وأصبح صيام يوم عاشوراء اختيارًا، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: “كانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكانَ مَن شَاءَ صَامَهُ، ومَن شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ” [صحيح البخاري].
وكانت مدة الصيام في هذه المرحلة من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، فإذا لم يُفطر الصائم عند الغروب ونام لا يجوز له إذا استيقظ من نومه أن يتناوَل أيَّ مُفْطِر ويظلّ صائمًا إلى غروب شمس اليوم التالي، كما كان قُربانُ النساء ليلًا محرّمًا على الصائمين طول الشهر، فشقَّ عليهم ذلك، فأباح الله لهم التّمتُّع بالنِّساء ليلًا، ومدَّ لهم فترة الإفطار حتى مَطلع الفجر.
فعن البراء بن عازب: “كانَ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ؛ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولَا يَومَهُ حتَّى يُمْسِيَ، وإنَّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةَ الأنْصَارِيَّ كانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإفْطَارُ أتَى امْرَأَتَهُ، فَقالَ لَهَا: أعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قالَتْ: لا، ولَكِنْ أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لَكَ، وكانَ يَومَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قالَتْ: خَيْبَةً لَكَ! فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عليه، فَذُكِرَ ذلكَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، فَفَرِحُوا بهَا فَرَحًا شَدِيدًا، ونَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]“ [صحيح البخاري].
3ـ المرحلة الثالثة وجوب صيام رمضان
تعد هذه المرحلة هي المرحلة الأخيرة من مراحل تشريع صيام شهر رمضان، وفيها استقرت فريضة الصيام بصفتها المعروفة حاليًا، فأصبح الصيام فريضة على كل قادر دون إمكانية التخيير.
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
فشهود هلال شهر رمضان أصبح موجب للصيام على كل مسلم قادر، ورخصة الإفطار تم إعطاؤها فقط لمن على سفر، وللمريض الذي قد يزيد مرضه أو تأخر شفاؤه إذا صام.
اقرأ أيضًا: هل تجوز الحجامة في رمضان
الحكمة من مراحل تشريع صيام شهر رمضان
هناك حكمة في تدريج الصوم على المسلمين ولذلك وُجدت مراحل تشريع شهر رمضان، وربما تعد الحكمة من ذلك ما يلي:
- مراعاة أحوال الناس وطبيعتهم البشرية ورفع الحرج عنهم، وذلك من خلال تدرج الصيام.
- تيسير الله على عباده ورحمته واللطف بهم.
- تخفيف المشقة على المسلمين بأن يدرج لهم الصيام بدلًا من أن يصوموا الشهر كامل مرة واحدة.
مراحل تشريع صيام شهر رمضان رحمة ورأفة من الله بعباده المسلمين، فقد فرض الله علينا الصيام وجعله فريضة واجبة وركن أساسي من أركان الإسلام، وللصيام العديد من الفوائد العظيمة نفسيًا وروحانيًا، كما أن له أجر عظيم عند الله.