ما حكم من يصوم وهو مريض؟ وهل يجوز للحامل والمرضعة إفطار رمضان؟ فهناك العديد من الأمور المثيرة للجدل فيما بين المسلمين ومن بينها حكم الصيام بالنسبة إلى الشخص المريض والمرأة الحامل والأم المرضعة، وسنتعرف اليوم من خلال موقع القمة على الحكم الصحيح للدين في هذه الحالة وفق ما ورد في الكتاب والسنة.
ما حكم من يصوم وهو مريض
يتساءل بعض المسلمين ما حكم من يصوم وهو مريض ولقد سبق وأجاب الله سبحانه وتعالى عن هذا السؤال بشكل قاطع في كتابه العزيز:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة: الآيات 184 و185].[1]
هذه الآية الكريمة توضح مدى تيسير الله تعالى على المسلمين وإعفاء المريض من الصوم، ولقد صنف الفقهاء وعلماء الدين حالات إفطار المرضى إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول يتضمن الأمراض الهينة اليسيرة كألم الضرس والزكام والصداع اليسير، فتلك أمراض لا يحل فيها الفطر.
القسم الثاني وفيه يكون المريض من الصعب عليه الصوم لأنه يشق عليه كثيرًا، وهذا يجوز له الفطر في رمضان دون إثم، ولكن يتوجب عليه أن يقضي بعد انتهاء شهر رمضان، أما القسم الثالث في هذه الحالة فهو المريض الذي يشق عليه الصوم لدرجة أنه يشكل خطرًا على حياته ويضره ويزيد من وضعه سوءًا.
مثل مريض السكر أو الكلى فهذا يكون الصوم محرمًا عليه أو غير مستحب ولكن إذا صام يقبل منه، ومن الأفضل أن يمتثل لأمر الله وألا يصوم في مثل هذه الحالة منعًا للضرر.
بناءً على ذلك يمكن القول بأن المسلم الذي يعاني من مرض مزمن يتوجب عليه الفطر ويحرم عليه الصيام تمامًا لأن الصيام هنا مؤثر بالسلب، ويتم بقضاء أيام الصيام من رمضان بعد انتهائه.
الجواب الشافي هو أن المريض الذي من المتوقع أنه سيبرأ ويشفى خلال الفترة القادمة يجب عليه أن يقضيها بعد انتهاء الشهر الكريم، ولكن المريض الذي لا يرجى شفاؤه مما هو فيه فليس عليه قضاء ولكن يتوجب عليه إخراج فدية، وهي إطعام مسكينًا واحدًا عن كل يوم أفطره المريض.
اقرأ أيضًا: هل من شروط الصيام الطهارة من الحيض
آراء فقهاء المسلمين في إفطار المريض برمضان
لقد تطرق العديد من فقهاء وعلماء الدين الإسلامي لمسألة إفطار المريض في رمضان متعمدًا ولديه النية على الإفطار، ولقد سلف وأشرنا في ظل الإجابة عن سؤال ما حكم من يصوم وهو مريض أنه ليس كل مريض معفى من الصيام، وسنعرض فيما يلي آراء بعض أعلام الفقهاء المسلمين في هذا الأمر:
1- رأي الطبري
محمد بن جرير الطبري هو واحد من أعلام المفسرين والمؤرخين وفقهاء الإسلام على مر العصور، تمثل رأيه بمسألة إفطار المريض في رمضان فيما يلي:
“قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن المرض الذي أذن الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان، من كان الصوم جاهده جهدا غير محتمل، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر. وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر، فإن لم يكن مأذونا له في الإفطار فقد كلف عسرا، ومنع يسرا، وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”. وأما من كان الصوم غير جاهده، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم، فعليه أداء فرضه“.[2]
2- رأي الحافظ البغوي
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي هو إمام وحافظ وفقه ومجتهد إسلامي وأطلق عليه لقب ركن الدين ومحيي السنة، ولقد وضع بدوره رأيًا سديدًا فيما يتعلق بمشروعية إفطار المريض في رمضان، وأتى رأيه في النص التالي:
“فذهب أهل الظاهر إلى أن ما يطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين. قال طريف بن تمام العطاردي دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل فقال إنه وجعت أصبعي هذه. وقال الحسن وإبراهيم النخعي هو المرض الذي تجوز معه الصلاة قاعدا. وذهب الأكثرون إلى أنه مرض يخاف معه من الصوم زيادة علة غير محتملة وفي الجملة أنه إذا أجهده الصوم أفطر وإن لم يجهده فهو كالصحيح“.
اقرأ أيضًا: أحاديث في فضل صيام التطوع
هل يجوز فطر المرأة الحامل والمرضعة في رمضان
إن الحمل والرضاعة ليس مرضًا كما يدعي البعض يبيح للمرأة الإفطار في رمضان، إنما الحمل والإرضاع طبيعة بشرية كلف الله المرأة وشرفها بها، ولكنها طبيعة شاقة ومرهقة ومتعبة للغاية.
رفقًا بالنساء والأمهات أجاز الله لهن الإفطار حرصًا على طاقة الأم وصحتها هي وطفلها، ويحل لها الفطور خوفًا على نفسها وحرصًا على جنينها أو طفلها، والدليل القاطع على ذلك هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الآتي:
“عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أغارت علينا خيلٌ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فانتَهيتُ أو قالَ فانطلقتُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وَهوَ يأْكلُ فقالَ اجلِس فأصِب من طعامِنا هذا فقلتُ إنِّي صائمٌ قالَ اجلِس أحدِّثْكَ عنِ الصَّلاةِ وعنِ الصِّيامِ إنَّ اللَّهَ تعالى وضعَ شطرَ الصَّلاةِ أو نصفَ الصَّلاةِ والصَّومَ عنِ المسافرِ وعنِ المرضعِ أوِ الحُبلى واللَّهِ لقد قالَهما جميعًا أو أحدَهما قالَ فتلَهَّفتُ نفسي أن لا أَكونَ أَكلتُ من طعامِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ“ [رواه أنس بن مالك، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود].
من خلال الإجابة عن سؤال ما حكم من يصوم وهو مريض لا يسعنا سوى حمد الله وشكره في كل وقت وحين على نعمة الإسلام، فلا دين في الدنيا جاء فيه هذا القدر من اليسر والتيسير والرفق والرحمة بأهله حتى في الأديان السماوية الأخرى.