إن نسيان نية الصيام في شهر رمضان أو في غيره من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من المسلمين، فمن المعروف أن أهم شروط صحة الصيام هي النية ولا يعرف البعض إن كان صيامه صحيحًا أو غير مقبول إذا نسيَ قول إنه نوى الصيام غدًا، ولقد تناول علماء الدين الحديث والبحث في هذا الأمر حتى استقرت آرائهم في النهاية، وسنعرض هذا الرأي ونتعرف إلى كافة التفاصيل في هذا الصدد عبر موقع القمة.
نسيان نية الصيام
يتساءل العديد من الأشخاص عن حكم نسيان نية الصيام وهل يصح صيام المسلم إذا نسيّ تبييت النية، والإجابة عن ذلك تتلخص في أن المسلم لا ينسى تبييت نية الصيام، لأنه حتى لم ينوِ ويعبر عن النية بلسانه فإن مجرد السحور يعد نية مجزئة بالصيام والنية مكانها في القلب، والسحور إنما جعله الله للصوم ولكن يشترط عدم رفض نية الصوم بعد التسحر.[1]
جدير بالذكر أن لكل يوم من أيام شهر رمضان نية مستقلة في الصيام تسبق كل يوم، وأشار الإمام مالك إلى أنه يجوز صيام شهر رمضان كاملًا بنية واحدة في بدايته، وفي النهاية إنما يكون العمل بالنية مثلما ورد في الحديث التالي:
“عن عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ”
[رواه عمر بن الخطاب، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
اقرأ أيضًا: هل الاحتلام يفسد الصيام
شروط الصيام عند الأئمة الأربعة
لقد اجتمع أئمة المذاهب الأربعة على وجوب تبييت نية الصيام في رمضان لكي يكون الصيام صحيحًا، ولقد حدد الأئمة شروط الصيام وهي تنقسم إلى شروط متفق عليها بينهم جميعًا وشروط أخرى لم يجتمعوا عليها معًا ونتعرف إليها فيما يلي:
1- الشروط المتفق عليها
هذه الشروط اتفق على ثباتها أئمة المذاهب الأربعة:
- الإسلام لأن المسلم مطالب بالامتثال لأوامر الشريعة والصيام غير مفروض على غير المسلم.[2]
- التكليف فإن كل مسلم عاقل بالغ مكلف بالصيام، والدليل على ذلك ما ورد في هذا الحديث:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: “أُتِي عمرُ بمجنونةٍ، قد زنت فاستشار فيها أناسًا، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ، فمرَّ بها على عليِّ بنِ أبي طالبٍ فقال: ما شأنُ هذه؟ قالوا: مجنونةُ بني فلانٍ زنت، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ. قال: فقال: ارجِعوا بها، ثمَّ أتاه فقال: يا أميرَ المؤمنين، أما علِمتَ أنَّ القلمَ قد رُفِع عن ثلاثةٍ؛ عن المجنونِ حتَّى يبرأَ، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يعقِلَ؟ قال: بلَى، قال: فما بالُ هذه تُرجَمُ؟ قال: لا شيءَ، قال فأرسِلْها، قال: فأرسِلْها، قال: فجعل يُكبِّرُ” [رواه عبد الله بن عباس، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود].
- البلوغ حتى وإن كان الطفل الصغير واعيًا لا يفرض عليه الصيام.
- العلم بوجوب الصيام فالجاهل يعذر من الصيام إذا نشأ بعيدًا عن الإسلام.
- طهارة النساء من النفاس أو الحيض.
- النية فإن العبادة لا تصح بدون النية.
- عدم وجود أي عذر شرعي يمنع الصيام، كالسفر الطويل والمرض الشديد والحيض والنفاس.
2- الشروط المختلف عليها
فيما يلي الشروط التي لم يجمع عليها الأئمة الأربعة لصحة الصيام:
- القدرة على الصيام فالعاجز لا يشترط عليه الصيام.
- الإقامة.
- الخلو من مبطلات ومفسدات الصيام.
- الزمان الذي يصح فيه الصيام فإنه لا يصح مثلًا في يوم العيد.
- التأكد من دخول شهر رمضان.
- التمييز.
آداب الصيام
إن النية من شروط صحة الصيام والالتزام بآداب الصيام أيضًا من شروط صحته، وفيما يلي نتعرف إلى أهم آداب الصيام:
1- تناول السحور
إن من أهم آداب الصيام المحببة هي تناول وجبة السحور، فهي فيها من الربكة كثيرًا لأنها أيضًا جزءًا من نية الصيام في حالة نسيان نية الصيام، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تَسَحَّرُوا؛ فإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً“
[رواه أنس بن مالك، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
2- تعجيل الإفطار
أوصى النبي بالتعجيل في الإفطار بمجرد التحري من غروب الشمس أو سماع الأذان، كما يجب أن يدعو المسلم عند الإفطار ففي هذا الوقت إجابة للدعاء، وكان النبي كلما أفطر في رمضان دعا عند الإفطار بما ورد في هذا الحديث:
“عن عبد الله بن عمر رضيَ الله عنه قال: رأيتُ ابنَ عمرَ يقبِضُ علَى لحيتِهِ فيقطعُ ما زادَ علَى الكَفِّ وقالَ كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أفطرَ قالَ ذَهَبَ الظَّمأُ وابتلَّتِ العُروقُ وثبَتَ الأجرُ إن شاءَ اللَّهُ“
[رواه عبد الله بن عمر، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود].
اقرأ أيضًا: مبطلات الصيام في رمضان بين الزوجين ابن باز
3- البعد عما ينافي الصيام
إن بعد المسلم عن كل ما يبطل صيامه أو يضيع أجره من أهم آداب الصيام، فلا يحق للمسلم أن يرتكب من المعاصي والكبائر متعمدًا بقدر كبير ثم يدعو الله يتقبل صيامه وحتى لا داعٍ لِأن يصوم.
“عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ”
[رواه أبو هريرة، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
إن نسيان نية الصيام ليس وزرًا ولا إثمًا كبيرًا على المسلم إذا وقع فيه عن غير عمد، فإن الله يقبل العمل الطيب الصالح طالما كان صادقًا من قلب العبد وخالصًا لوجه الله.