فرض الصيام في المدينة المنورة وكان ذلك في شهر مبارك سوف نذكره لكم فيما يلي، حيث يعد الصيام الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، ولقد فرض الله الصيام على عباده المسلمين وذلك لما له من آثار عظيمة في النفس البشرية، وتعزيز الوازع الديني وزيادة التقوى في قلوب المؤمنين، لذلك نتناول تفاصيل ذلك الموضوع من خلال موقع القمة.
فرض الصيام في المدينة المنورة وكان ذلك في شهر
قبل هجرة الرسول من مكة إلى المدينة لم تكن قد فرضت عبادة في مكة سوى الصلاة، وفي العام الثاني من هجرة الرسول إلى المدينة المنورة أمر الله سيدنا محمد أن يأمر أمته بصيام شهر رمضان.[1]
وبذلك يكون قد فرض الصيام في المدينة المنورة وكان ذلك في شهر شعبان من العام الثاني من الهجرة، وهو ما يوافق عام 624 في التقويم الميلادي.
اقرأ أيضًا: هل يجوز قضاء الصيام في عشر ذي الحجة
كم رمضان صامه الرسول صلى الله عليه وسلم؟
كما ذكرنا أنه قد فرض الصيام في المدينة المنورة وكان ذلك في شهر شعبان في العام الثاني من هجرة الرسول، فمن الجدير بالذكر أن الرسول قد توفي في شهر ربيع الأول في العام الحادي عشر من الهجرة، أي أنه صام رمضان تسع سنوات.
مراحل تشريع صيام شهر رمضان
يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]
وتعد هذه الآية خير دليل على أن الصيام فريضة على المسلمين، وعندما فرض الله الصيام على المسلمين في شهر رمضان، فلم يفرضه كما هو معروف الآن مرة واحدة فقد تم ذلك على مرحلتين وهم:
1- المرحلة الأولى
بدأت هذه المرحلة عندما فرض الله على رسوله الكريم صيام شهر رمضان، وقد كانت مرحلة تخيير لا جزم، فلم يكن الصيام مكلف على كل مسلم فرض عين فمن شاء صام ومن شاء أفطر حتى وإن كان سيفطر بدون عذر، لكن بشرط أن يقوم بتقديم الفدية، فكان يمكن للمسلم أن يصوم أو أن يفطر ويُطعم عن كل يوم مسكينًا فديةً لإفطاره.
حيث قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183، 144].
منذ بدء تشريع صيام شهر رمضان وأصبح صيام يوم عاشوراء اختياراً فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:
“كانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكانَ مَن شَاءَ صَامَهُ، ومَن شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ” [صحيح البخاري].
وكانت مدة الصيام في هذه المرحلة من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، فإذا لم يُفطر الصائم عند الغروب ونام لا يجوز له إذا استيقظ من نومه أن يتناوَل أيَّ مُفْطِر ويظلّ صائمًا إلى غروب شمس اليوم التالي، كما كان قُربانُ النساء ليلاً محرّمًا على الصائمين طول الشهر، فشقَّ عليهم ذلك، فأباح الله لهم التّمتُّع بالنِّساء ليلاً، ومدَّ لهم فترة الإفطار حتى مَطلع الفجر.
اقرأ أيضًا: شرح حديث الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان
2- المرحلة الثانية
وتعد هذه المرحلة هي المرحلة التي فرض صيام شهر رمضان بنفس الكيفية التي نقوم بها الآن، فقد استقرت فريضة الصيام بصفتها المعروفة حالياً، فأصبح الصيام فريضة على كل قادر دون إمكانية التخيير.
قال الله تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
أصبح شهود هلال شهر رمضان موجب للصيام على كل مسلم قادر، ورخصة الإفطار تم إعطائها فقط لمن على سفر، وللمريض الذي قد يزيد مرضه أو تأخر شفاءه إذا صام.
حكمة الله في فرض صيام رمضان
إن الحكمة صفة من صفات الله فهو الحكيم المبين، فالله تعالي دائماً ما تكون له حكمة في كل الأمور التي أمرنا الله بها وكذلك الأمور التي نهانا الله عنها، كما أن كل ما يحدث في حياتنا له حكمة يعلمها الله وحده.
ولذلك عندما فرض الله على المسلمين الصيام لابد من وجود حكمة وغاية من ذلك، فلم يشرع الله حكماً من الأحكام إلا وكان فيه حكمة عظيمة، ومنها ما يلي:
1- تحقيق التقوى
ذكر الله تعالى الحكمة من فرض الصيام في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]
وبذلك يكون الصيام وسيلة لتحقيق التقوى، والتي تعني فعل كل ما أمر الله به والبعد عما نهانا عنه.
2- شكر الله على نعمه
يعد الصوم وسيلة لشكر الله على نعمة، فالصيام هو الامتناع عن الأكل والشرب والجماع، وهم من أجل النعم وأعلاها، وطالما أن النعم موجودة ومتوفرة فيتغافل عنها المسلم، فعندما يحرم منها يعرف قيمتها ويشكر الله على نعمه التي لا حصر لها.
3- ترك المحرمات
إن الصوم يعد وسيلة هامة في ترك المحرمات، فالمسلم يترك كل ما أحل الله له كي يبتغي إرضاء وجه الله، مما سيجعله بلا شك أنه أولى أن يترك كل المحرمات والملذات المحرمة، وبذلك يكون الصوم سبباً في اتقاء محارم الله.
4- التغلب على الشهوة
فإن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ” [صحيح البخاري].
اقرأ أيضًا: هل يفطر الصائم اذا شرب الماء اثناء اذان الفجر
5- الرحمة والعطف على المساكين
إن الصائم يحس بألم الجوع فيشعر بالفقراء والمساكين الذين يشعرون بآلام الجوع طوال الوقت، ولذلك كان الصوم سبباً في العطف على الفقراء.
لقد فرض الصيام في المدينة المنورة وكان ذلك في شهر شعبان في العام الثاني من الهجرة، وقد تم على عدة مراحل من أجل التخفيف على المسلمين، فالصيام أقصر طريق لابتغاء مرضاة الله فقط إذا قمت به بشكل صحيح.