فضل شعبان والاستعداد لرمضان يُعد بمثابة الوقود الذي يشحن به المؤمن إيمانه، والذي يغفل عنه الكثيرون إلا من وفقه الله لجَني فضائله ومغفرته التي لا تُحصى، هذا الشهر الكريم الذي كان رسول الله صوامًا فيه بقدر شهر رمضان المبارك، نقوم في موقع القمة بشد الرحال إلى رحابه وتقفّي نسائم كرماته.
فضل شعبان والاستعداد لرمضان
مع دخولنا إلى شهر رجب أحد الأشهر الحُرم التي تتضاعف فيه الحسنات كمًا وكيفًا، يفصلنا عن شهر شعبان عدة أيام ونكون على أعتاب شهر رمضان المبارك، الذي تتكاثف لأجله الجهود وتزداد الهمم الإيمانية لكي يستقبله الناس بكامل وأتم استعدادهم للفوز برحمات الله فيه.[1]
في إطار تلك السيرة العطرة، لا بد من ذكر فضل شهر شعبان والاستعداد لرمضان الذي يكون فيه على أكمل وجه، وكيف كان رسول الله الذي لنا فيه أسوةّ حسنة يتأهب لقدوم رمضان.
اقرأ أيضًا: أحاديث عن رمضان بالصور
أعمال رسول الله في شهر شعبان
“عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ” [رواه البخاري].
فيتبين لنا من هذا الحديث أن المصطفى صلى الله عليكم كان يُكثر من صيام شهر شعبان، وفي هذا إشارة لفضله العظيم، ويرجع ذلك إلى فضل عبادة الصيام بشكلٍ عام حتى لو كان نافلة، فضلًا عن أن الله قد وهب لشهر شعبان مكانة عظيمة، وهذا ما نجده في الحديث النبوي الشريف.
“عن أسامة بن زيد قال يا رسولَ اللَّهِ! لم ارك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟ قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ” [النسائي، حديث حسن].
قد رجّح العلماء أن المقصود بالأعمال التي تُرفع في هذا الحديث هي أعمال العام، ولهذا حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الغفلة عن فضل هذا الشهر هي خسارة عظيمة، واغتنامها هي من أعظم المكاسب.
كيفية اغتنام شهر شعبان
في ضوء عرض فضل شعبان والاستعداد لرمضان، نبدأ بالسير على نهج الحبيب صلى الله عليه وسلم، ونتلمّس آثار السيرة النبوية العطرة، ونتعرف على كيفية اغتنام فضائل هذا الشهر، وذلك على النحو التالي:
1– كثرة الصيام
مثلما تُعد صلاة السُنة هي الاستعداد لصلاة الفريضة، فأيضًا من أولى العبادات التي يجب الالتزام بها بقدر المُستطاع في شهر شعبان هي الصيام، وذلك لأنه الخطوة الفاصلة عن شهر رمضان.
في إطار التعرف على فضل شعبان والاستعداد لرمضان، وجب التنويه على أن المرء يظل ما يقارب من الـ 11 شهر لم يعتد جسده على الصيام، مما يؤدي إلى استصعاب أداءه كفريضة في رمضان، وفي إطار ذلك يُعد الصيام في شعبان من باب تهيئة الجسد على صيام الثلاثين يومًا، وتهيئة الروح لنفحات رمضان المبارك.
في هذا الصدد من الجدير بالذكر أن شهر شعبان يُعد من أفضل الأوقات التي يمكن فيها قضاء الأيام التي تم الإفطار فيها في شهور رمضان السابقة، وذلك إبراء للذمة وقضاء الفرض.
2– كثرة الدعاء إلى الله
فضل شعبان والاستعداد لرمضان يتضمن توطيد علاقة العبد بربه في كل حينٍ ووقت هي الدعاء، والتي تزداد قيمتها في شهر شعبان، إذ أنه وكما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شهر رفع الأعمال لله عز وجل.
فمن العظيم أن تُرفع أعمال العبد وهي مُحملة بدعوات من قلوب على يقين بقدرة ربها على إجابتها، فضلًا عن الأثر الذي يُحدثه تحضير الدعوات قُبيل شهر رمضان وكأن العبد ينتظر ضيفًا تأتي على وجه البركات والرحمات.
3– قراءة القرآن الكريم
يقول بعض علماء السلف أن شعبان هو شهر القرّاء، وفيه تهيئة عظيمة للنفس على اللحاق بالركب القرآني ومحاولة ختم المصحف الشريف فيه شهر شعبان ولو لمرة واحدة على الأقل، لتزداد الهمة في رمضان المبارك.
4– المواظبة على الصلاة
الصلاة هي عماد الدين، وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، وعليه هي أهم العبادات التي يلزم على المؤمن الحرص على أداءها على أكمل وجه، وشهر شعبان يُعد من أفضل الأوقات للمواظبة على الصلوات في حال التقصير فيها، وزيادة السنن والنوافل في الالتزام بالفروض.
5– التوبة النصوحة
يغفل العديد من الناس عن أهمية التوبة وكم يحتاج العبد إلى أن يتوب إلى الله في كل لحظة عن ذنوبٍ يعلمها ولا يعلمها، ولن فرصة أعظم من شهر شعبان الذي يتقبله الله فيه برحمته ومغفرته مهما عظمت ذنوبه، لكي يدخل إلى رمضان مُطهّر ومُنقى منها.
6– الفرح لقدوم رمضان
الفرح بالطاعات والتقرب إلى الله هي في حد ذاتها عبادة يحبها الله، ففي ذلك إشارة عن أن العبد مُحبٌ لربه ولما شرّعه له من عبادات، ولذلك لا يجب أن ينسى العبد أن يُظهر فرحته لقدوم رمضان وبركاته ودعواته المُجابة بإذن الله.
فضلًا عن فرحته بحلول شعبان ويستشعر فضل الله عليه الذي رزقه هذا الشهر ليغفر ذنبه ويعفو عنه، ويُعينه على أن يكون عبدًا صالحًا في الشهر الفضيل، ويحاول جاهدًا أن يثبت استحقاقه لتلك النعمة.
اقرأ أيضًا: أكلات خفيفة في رمضان
7– الزيادة من النوافل
من أهم الاستعدادات لشهر رمضان أثناء شعبان، هو الاستزادة من النوافل بكل صورها، فضلًا عن كثرة عمل الخيرات، وصلة الأرحام، كما أنه من أهم الأمور الواجب على المسلم عملها هو تعلّم أحكام الصيام ومُبطلاته، والقضاء وكفارته، وذلك من باب الحرص على أداء الفريضة العظيمة على أكمل وجه ممكن.
علمًا بأن في الوقت الحالي أصبحت وسائل التعلم متعددة ومتنوعة، وذلك إما بقراءة الكتب الدينية، أو الاستماع إلى الدورات التعليمية إما المسموعة أو المرئية من علماء الدين الموثوق فيهم.
في رجب نزرع، وفي شعبان نسقي، وفي رمضان نحصد، فأحسن زرعك وسقياك لتجني خير الحصاد من رحمةٍ وعفوٍ، ولا تغفل عن عظيم فضل شعبان وكم الجهود التي يمكن بذلها للاستعداد لرمضان.