دائما ما تنتشر ظاهرة الفتور بعد رمضان، وتكثر الأسئلة التي تدور عن سبب تلك الظاهرة بعد قضاء المسلمين شهر رمضان في العبادة، ولذلك في هذا المقال سوف نتناول أسباب ظاهرة الفتور وكيفية علاجها حتى نقي أنفسنا من الوقوع في معصية أو أن تضعف قلوبنا ونضيع أجر الشهر الكريم وكل ذلك من خلال موقعنا القمة.
ظاهرة الفتور في رمضان
كثيراً ما نلاحظ تغيير وانقلاب حال المسلمين بعد مرور شهر رمضان الكريم، فمن بعد انشغالهم بالذكر والصيام والصلاة وتلاوة القرآن، نجد منهم من قاموا بهجر كل ذلك ونجد المساجد التي كانت مكتظة بالمصلين تشكو من الهجر والخلو إلا من النزر اليسير.[1]
من الطبيعي أن يحدث للإنسان العادي بعض حالات الفتور من العبادة، لكن لا يجوز أبداً أن يتحول إلى النقيض ويخلع ثوب العبودية والطاعة والإيمان وأن يعود إلى غفلته وارتكاب المعاصي مرة أخري، فهذا الأمر لا يقبل به عبد يخشى الله ويعلم أن الله مطلع عليه ويحصي أعماله سواء في رمضان أو غير رمضان.
لذلك فإن هذه الظاهرة لا بد لها من وقفة من الدعاة حتى يقوموا بإصلاح هذا الخلل الذي لا يمكن أن يحدث في أمة نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
اقرأ أيضًا: هل يفطر من أكل ناسيًا في غير رمضان
أسباب حدوث ظاهرة الفتور بعد رمضان
تعود ظاهرة الفتور بعد رمضان إلى العديد من الأسباب التي علينا أن نعرفها ونستوعبها حتى نتمكن من الانتباه لعدم الوقوع فيها مرة أخري، ومواجهتها وعلاجها ولعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة ما يلي:
1- رمضان ما بين العادة والعبادة
حيث تتغير وجهة نظر الكثير من المسلمين وتحول رمضان في نظرهم من شهر للعبادة إلى شهر عادة لا أكثر، فقد يرى البعض أن شهر رمضان هو شهر نمارس فيه عادات معينة لا ينبغي أن يخالف الناس في أدائها، كالصيام وصلاة التراويح.
كثير ما نجد البعض يصومون شهر رمضان دون أن يصلي، كما أنه قد يصلي التراويح دون أن يكون قد صلى فروض يومه، مثل هذه الأفعال تؤكد أن هؤلاء الأشخاص لا يتعبدوا في رمضان إلا بمنطق العادة وليس بهدف العبادة.
وبذلك لم يحدث التغيير المطلوب حدوثه، ولم يغيروا في أنفسهم شيء، وبمجرد انتهاء شهر رمضان الكريم سرعان ما يعود كل أحد على ما كان عليه.
2- النفس أمارة بالسوء
إن اتباع النفس وأهوائها من أهم أسباب ظاهرة الفتور بعد رمضان، فالنفس أمارة للسوء تميل إلى الكسل والراحة، لذلك ما تميل إلى الراحة بعد شهر كامل من العبادات، فتجد نفسك تترك الصلاة في المساجد وتؤخر الصلاة ويصبح ثقيل عليك أن تفتح المصحف.
لذلك لابد على المؤمن ألا يطاوع هوى نفسه ولا يمشي وراء رغباته من أجل رضا الله الذي ذكر في قوله تعالى:
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].
3- تصفيد الشياطين في شهر رمضان
هناك سبب وراء شعور المسلم وإن كان عاصياً بالإيمان في شهر رمضان، وهذا السبب يرجع إلى تصفيد الشياطين في شهر رمضان وغلق أبواب النار وفتح أبواب الجنة، فنجد إقبال النفوس على طاعة الله عز وجل.
حيث إن هذه الأجواء تساعد العبد على التقرب من ربه، والبعد عن المعاصي والسيئات، ولكن عند انتهاء شهر رمضان الكريم بهذه الأجواء الروحانية عاد على معصيته ولهواه مرة أخرى.
4- النفوس الضعيفة
دائماً ما يتسرب الملل والفتور بعد الحماس والنشاط إلى النفوس الضعيفة، لذلك نلاحظ تناقص أعداد المصلين في صلاة التراويح من أول رمضان إلى آخره، فالعبادة هي جهاد للنفس ولأهوائها حتى تشعر بالأثر العظيم من طمأنينة وسكون، فالنفس الضعيفة دائماً ما تميل إلى الغفلة عن الآخرة.
5- طول الأمل والغفلة
إن طول الأمر دائماً ما يجعل صاحبه في غفلة، فيحمل صاحبه على استثقال الأعمال الصالحة، فدائماً ما تسول إليه نفسه أن فرص الدنيا سوف تفوته في حين أن فرص الآخرة لا تفوت.
كما أن طول الأمل يولد التسويف وقسوة القلب وغفلة الروح والتلون في الدين فيظل هكذا حتى يموت قلبه ويأخذه الموت على غفلة فيتأكد قول الله تعالى:
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون} [الحجر: 3].
اقرأ أيضًا: دعاء الوتر بعد التراويح في رمضان
كيفية علاج ظاهرة الفتور بعد رمضان
هناك العديد الأمور التي يمكن أن نفعلها حتى نقي أنفسنا من ظاهرة الفتور بعد رمضان ومن أهمها:
- العمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والغلوَّ في الدينِ فإنما أهلَك مَن كان قبلَكم الغلوُّ في الدينِ” [مجموع فتاوي ابن الباز].
- أن يسأل المسلم الله التوفيق في الطاعة دائماً وذلك لما ذكره رسول الله في حديثه: “إذا أرادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا استعملَهُ. فقيلَ: كيفَ يستعملُهُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: يوفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ” [سنن الترمذي].
- عدم التشديد على النفس والاعتدال والتدرج في العبادة، وأن يبدأ بالأسهل فالسهل، وذلك لما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ هذا الدينَ يسرٌ، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبهُ، فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا ويسِّروا واستعينُوا بالغَدوةِ والروحةِ وشيءٍ من الدُّلجةِ” [صحيح النسائي].
- أن نكثر من الدعاء أن يثبتنا الله على الطاعة وان يبعد عنا الضعف والكسل حيث كان يكسر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر “اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ” [صحيح البخاري].
- تذكر فضل هذا الشهر والثواب والأجر الذي سيحصل عليه إذا أحسن القيام بعبادته، وأن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” [صحيح البخاري].
- أن يحرص المؤمن على تنوع العبادات من صلاة وصيام وزكاة وتلاوة للقرآن حتى يتجدد نشاطه ولا يتسلل إليه الشعور بالفتور بعد رمضان.
كل مؤمن العلم بأن الإيمان والعمل الصالح هم أساس السعادة في الحياة، وأن يتذكر دائماً أن أحب الأعمال إلي الله دوامها، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.