إن النية في صيام التطوع عند المالكية من الأمور التي أثارت الجدل فيما بين أصحاب المذاهب والأئمة الأربعة بما فيهم المالكية، ولكن ذهب كل فريق إلى رأي مشابه للآخر ويتسم بالوسطية، فمن المعروف أن النية شرط أساسي في صيام الفرض ولكن هل هي شرط في صيام النوافل والتطوع، هذا ما سوف نتعرف إليه بالتفصيل من خلال موقع القمة.
النية في صيام التطوع عند المالكية
أصحاب المذهب المالكي أوضحوا حكم النية في صيام التطوع عند المالكية وهو بإيجاز اشتراط تبييت النية بالصيام قبل الفجر، وفي حال عدم تبييت المسلم نية الصيام يكون صيامه غير صحيح أو على الأقل مفتقرًا إلى واحد من أهم جوانب وشروط صحة الصوم وهي:
- عقد النية والعزم على الصيام.[1]
- العقل والبلوغ فلم يفرض الصيام على شخص مجنون أو طفل لم يبلغ.
“عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: أُتِي عمرُ بمجنونةٍ ، قد زنت فاستشار فيها أناسًا ، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ ، فمرَّ بها على عليِّ بنِ أبي طالبٍ فقال : ما شأنُ هذه ؟ قالوا : مجنونةُ بني فلانٍ زنت ، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ . قال : فقال : ارجِعوا بها ، ثمَّ أتاه فقال : يا أميرَ المؤمنين ، أما علِمتَ أنَّ القلمَ قد رُفِع عن ثلاثةٍ ؛ عن المجنونِ حتَّى يبرأَ ، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يعقِلَ ؟ قال : بلَى ، قال : فما بالُ هذه تُرجَمُ ؟ قال : لا شيءَ ، قال فأرسِلْها ، قال : فأرسِلْها ، قال : فجعل يُكبِّرُ”
رواه عبد الله بن عباس، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود.
- الإسلام فالصيام لا يجوز بوجه عام لغير المسلمين سواءً كان الصيام تطوعًا أو في شهر رمضان.
- طهارة المرأة من الحيض أو النفاس.
- المرض الشديد.
- السفر المتعب الطويل.
اقرأ أيضًا: أحاديث في فضل صيام التطوع
ما هو صيام التطوع
لا يمكن أن نتعرف إلى حكم النية في صيام التطوع عند المالكية دون أن نتعرف أكثر إلى صيام التطوع، وهو صيام غير مفروض شرعه الله ليكمل به العبد النقص والخلل في صيام الفريضة، كما أن صيام التطوع يعد ضربًا من أعظم ضروب التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، ومن الأمثلة على صيام يوم التطوع:
1- صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء
صيام يوم وقفة عرفات من صيام التطوع حيث إنه ليس مفروضًا ولكنه مستحبًا عند الله، والسبب في ذلك ما ورد في الحديث التالي:
“أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ عن صَوْمِهِ، قالَ: فَغَضِبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: رَضِينَا باللَّهِ رَبًّا، وَبالإسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً. قالَ: فَسُئِلَ عن صِيَامِ الدَّهْرِ، فَقالَ: لا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ ما صَامَ وَما أَفْطَرَ. قالَ: فَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومَيْنِ وإفْطَارِ يَومٍ، قالَ: وَمَن يُطِيقُ ذلكَ؟! قالَ: وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومٍ وإفْطَارِ يَومَيْنِ، قالَ: لَيْتَ أنَّ اللَّهَ قَوَّانَا لِذلكَ. قالَ: وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومٍ وإفْطَارِ يَومٍ، قالَ: ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ عليه السَّلَام. قالَ: وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ، قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ. قالَ: فَقالَ: صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إلى رَمَضَانَ؛ صَوْمُ الدَّهْرِ. قالَ: وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. قالَ: وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ”
رواه أبو قتادة الحارث بن ربعي، وحدثه مسلم، المصدر: صحيح مسلم.
2- صيام ثلاثة أيام من كل شهر
في الحديث الشريف السابق أشار النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام من كل شهر هجري لوجه الله يعد من صيام التطوع وهو من الاعمال المحببة.
3- صيام الستة من شوال
الستة من شوال هي الأيام التي تعرف بالستة البيض، ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم صراحة إلى أن من يصوم رمضان وأتبعه بصيام 6 أيام من شهر شوال يكون عند الله كمن صام الدهر كله.
أهم أحكام صيام التطوع
هناك أحكامًا من الضروري جدًا أن يكون المسلم على دراية بها فيما يخص صيام التطوع، وفيما يلي نعرض بإيجاز هذه الأحكام:
- إذا أرادت المرأة أن تصوم صيام التطوع فعليها أن تستأذن من زوجها أولًا، والدليل على ذلك ما ورد في الحديث التالي:
“عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أنْ تَصُومَ وزَوْجُها شاهِدٌ إلَّا بإذْنِهِ، ولا تَأْذَنَ في بَيْتِهِ إلَّا بإذْنِهِ، وما أنْفَقَتْ مِن نَفَقَةٍ عن غيرِ أمْرِهِ فإنَّه يُؤَدَّى إلَيْهِ شَطْرُهُ”
رواه أبو هريرة، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري.
- النية ويجوز لمن أراد أن يصوم صيام التطوع أن يؤخر النية لنهار اليوم الذي يريد الصيام فيه، حيث لا يشترط تبييت النية إلا في صيام الفرض فقط، والدليل على ذلك ما ورد في هذا الحديث الشريف:
“عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ: يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ، قالَ: فإنِّي صَائِمٌ”
روته السيدة عائشة، وحدثه مسلم، المصدر: صحيح مسلم.
- لا يوجد حرج في عدم إكمال صيام التطوع بعد البدء فيه.
حكم الإفطار في صوم التطوع
في إطار التعرف إلى حكم النية في صيام التطوع عند المالكية، سنتعرف فيما يلي إلى حكم الإفطار في صيام التطوع عند أئمة المذاهب الأربعة:
- ذهبت الحنفية إلى أنه يجوز الإفطار في صيام التطوع إذا كان هناك عذر، وإن لم يكن هناك عذر لا يجب الإفطار.
- ذهبت المالكية إلى ما ذهبت إليه الحنفية، ولكنها أضافت أن إتمام صيام النوافل واجب ولا يجوز الفطر فيه إلا للضرورة القصوى.
- ذهبت الشافعية إلى أنه يجوز الإفطار في صيام التطوع وأن إتمامه غير واجب ولكن قضاؤه مستحبًا.
- يرى الحنابلة أنه يستحب إتمام صوم التطوع لأن إكمال العبادة مطلوب، ولكن إتمامه غير واجب على من صامه وإذا أفطر فلا يشترط عليه قضاؤه.
اقرأ أيضًا: هل يجوز الصيام على جنابة حتى الظهر
أنواع صيام التطوع
إن صيام التطوع في الإسلام كإحدى النوافل العظيمة ينقسم إلى أنواع مختلفة، نتعرف إلى كل منها بإيجاز في النقاط التالية:
- الصوم من حيث الوقت وهو صوم التطوع المقيد وصوم التطوع المطلق.
- الصوم من حيث السنة وهو الصوم الذي واظب عليه النبي والصوم الذي دعا إليه والصوم الذي كان يكثر منه.
- الصوم من حيث التكرار وهو الصوم بتكرار الأيام، والصوم بتكرار الأسبوع والصوم بتكرار الشهر والصوم بتكرار السنوات.
تبين لنا من معرفة حكم النية في صيام التطوع عند المالكية أنه يتوجب على المسلم تبيين النية حتى وإن كانت متأخرة، وفي المطلق هي غير مشترطة في صيام النوافل.