ما هو حكم النسيان في صيام الأيام البيض؟ وما هو فضل صيام التطوع؟ فمن يعرف الأيام البيض التي يفضل المسلم صومها ربما لا يعرف أن المقصود بها ليس فقط الأيام الستة من شهر رجب أو شهر شوال أو شعبان، ويعتقد أن حكم النسيان والإفطار خلال صومها غير محدد إلا أن هذا غير صحيح، وسنأتي عبر موقع القمة بأدلة واضحة وصحيحة من الكتاب والسنة للإجابة عن جميع التساؤلات التي تطرح في هذا الصدد.
حكم النسيان في صيام الأيام البيض
إن حكم النسيان في صيام الأيام البيض هو نفس حكم الإفطار عن غير عمد أو بسبب النسيان خلال صيام شهر رمضان أو صيام أي يوم آخر، لأن المسلم عندها يكون غير متعمد ولم يقصد أن يفطر فالنسيان هو النسيان وعلى كل حال لم يتعمد ولم يقصد.[1]
فلا يوجد وزر على المسلم في هذه الحالة لأن الأيام البيض ليس من الإجباري أو الفرض صيامها لكي يتوجب عليه قضاؤها مثلما هو الحال في إفطار أيام شهر رمضان، وفي حالة النسيان بالذات لا يفسد الصيام بل يمكن للمسلم أن يتابع صيامه حتى نهاية اليوم وسيكون صحيحًا مقبولًا، والدلالة على ذلك ما ورد في هذ الحديث:
“عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أكَلَ ناسِيًا وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ”
رواه أبو هريرة، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري.
اقرأ أيضًا: ما هي الأشياء التي تبطل الصيام؟
ما هي الأيام البيض
لا يمكن أن نكتفي بالإجابة عن سؤال حكم النسيان في صيام الأيام البيض دون أن نعرّف من لا يعلم ما هي الأيام البيض، ويقصد بالأيام البيض تلك الأيام التي تكون في منتصف الشهر القمري، وتحديدًا اليوم الثالث والرابع والخامس عشر، ولقد أطلق عليها هذا الاسم لأن لياليها تكون بيضاء ومنيرة.
فصيامها يعد ضمن صيام التطوع الذي يصنف ضمن النوافل وليس واجبًا أو فرضًا، وهو صيام محدد بمواقيت معينة من العام مثل يوم عاشوراء ويوم الإثنين من كل أسبوع وغيرها، وبالرغم من أن هذه الأيام ليس مفروضًا صيامها إلا أنه مستحب جدًا وأجره عظيم عند الله، والدلالة على ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه حيث قال:
“أنْكَحَنِي أبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عن بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِن رَجُلٍ؛ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، ولَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذلكَ عليه ذَكَرَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقالَ: الْقَنِي به، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقالَ: كيفَ تَصُومُ؟ قالَ: كُلَّ يَومٍ، قالَ: وكيفَ تَخْتِمُ؟ قالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قالَ: صُمْ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، واقْرَأِ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ“
رواه عبد الله بن عمرو، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري.
كما أتى النصح بصيام الثلاثة أيام البيض من كل شهر بشكل مباشر في حديث شريف، حيث روى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وقال:
“أمرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نصومَ منَ الشَّهرِ ثلاثةَ أيَّامٍ البيضَ: ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرة”
رواه أبو ذر الغفاري، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح النسائي.
هل يلزم صيام الأيام البيض فقط
من الأمور التي يختلف حولها العديد من المسلمين هي أحوال صيام الأيام البيض، وذلك لأن بعض الناس لا يتسنى لهم صيام هذه الأيام البيض الثلاثة من كل شهر أو تلك الأيام القمرية أو يتعذر عليهم ذلك لأسباب طارئة، مثل السفر أو المرض أو الضيق أو الملل أو ما يصيب النساء في كل شهر من حيان موعد الحيض.
لقد ترك الدين في ذلك حيزًا كبيرًا من التيسير وجعل بالإمكان صيام ثلاثة أيام أخرى غيرها في نفس الشهر بعد ذهاب العذر المانع لنيل الأجر من الله، ونستشهد على صحة ذلك بما روته معاذة بنت عبد الله العدوية رضي الله عنها، حيث قالت:
“قلتُ لعائشةَ: أكانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصومُ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ قالت نعَم قلتُ مِن أيِّهِ كانَ يصومُ؟ قالت: كانَ لا يُبالي مِن أيِّهِ صامَ”
روته معاذة بنت عبد الله العدوية، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح الترمذي.
ما هو صيام التطوع
سلف وأشرنا إلى أن صيام الأيام البيض يصنف ضمن صيام التطوع، ويمكن تعريفه على أنه كل صيام يؤديه المسلم غير الفرائض، كأن لا يكون في شهر رمضان أو لا نذر أو كفارة وحكمه مستحب وليس واجبًا مفروضًا.
فلقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل وتيرة للصيام في صوم التطوع، ويتضح لنا ذلك فيما ورد بالحديث لآتي:
“عن عبد الله بن عمرو قال: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا”
رواه عبد الله بن عمرو، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري.
اقرأ أيضًا: لتحميل أفضل دعاء في العشر الأواخر من رمضان بسهوله
فضل صيام التطوع
كما عرفنا ما هو حكم النسيان في صيام الأيام البيض يجب أن نعرف أيضًا ما هو فضل صيام هذه الأيام أو صيام التطوع، ولقد أوضح لنا النبي فضل صيامها في هذا الحديث الشريف:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ”
رواه أبو هريرة، وحدثه مسلم، المصدر: صحيح مسلم.
إن حكم النسيان في صيام الأيام البيض فيه يسر وتخفيف على جميع المسلمين الراغبين في التقرب من الله بما يحبه من الأعمال والنوافل لنيل درجات أعلى لديه وكسب جنته في الآخرة.