إذا شربت ماء وأنا صائم في غير رمضان هل يجب القضاء؟ وهل وزر الإفطار أثناء الصيام عن عمد كالإفطار عن غير عمد؟ إن الصيام فرض على كل مسلم ومسلمة عاقلين وبالغين وأصحاء ولكن الصيام لا يقتصر على شهر رمضان فقط، إنما يمكن الصوم كنافلة أو قضاء لأيام الإفطار في رمضان، ويخلط البعض بين حكم الإفطار في الصيام عمدًا وغير عمد، لذا سنعرض الحكم الصحيح عبر موقع القمة وفق ما ورد في القرآن الكريم والسنة.
إذا شربت ماء وأنا صائم في غير رمضان
نحن على وشك استقبال الشهر الفضيل خلال الفترة القادمة ومن الوارد وكثيرًا ما تحدث ويفطر الصائم خلال هذا الشهر أو في غيره بالشرب أو الأكل عن غير عمد وهو ناسٍ أنه صائم، ويسأل المسلم وقتها إذا شربت ماء وأنا صائم في غير رمضان؟[1]
الإجابة عن هذا السؤال تتلخص في هذا الحديث:
“عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أكَلَ ناسِيًا وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ”
[رواه أبو هريرة، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
إن الإسلام دين سمح ويسير ولن يحمل الصائم وزر الإفطار في رمضان أو في يوم آخر في غير شهر رمضان، شرط أن يكون الصائم قد نسيَّ بالفعل ولم يتعمد أن يفطر لكيلا يحبط ثواب عمله.
عندها يمكنه استكمال صيامه بشكل عادي وألا يفطر بقية اليوم متوقفًا عند هذه المشكلة الطفيفة، فالدين يسر وليس عسر ولا أحد منا لا يسهو أو ينسى في صيامه أو صلاته أو حياته بوجه عام، لذا يجب أن يعتبر المفطر عن غير عمد أن الله أراد أن يطعمه أو يسقيه بهذا النسيان.
اقرأ أيضًا: هل يجوز افطر وانا صائمة قضاء
مبطلات الصيام
في إطار الإجابة عن سؤال إذا شربت ماء وأنا صائم في غير رمضان هل يجب القضاء، يجب أن نتعرف إلى الأشياء التي تبطل الصيام وتفسده في رمضان أو غيره، وهذه المبطلات تتمثل فيما يلي:
1- جماع الأزواج
إن من أهم مبطلات الصيام ومفسداته هو أمر الجماع فيما بين الزوجين خلال وقت الصيام برمضان ولا يسمح لهم به إلا بعد الإفطار، وذلك استنادًا إلى قوله تعالى:
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة: الآية رقم 187].
كما يوجد دليل قاطع آخر ألا وهو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال:
“جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ! قَالَ: وما شَأْنُكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي في رَمَضَانَ، قَالَ: تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَرَقٍ فيه تَمْرٌ -والعَرَقُ: المِكْتَلُ الضَّخْمُ- قَالَ: خُذْ هذا فَتَصَدَّقْ به. قَالَ: أعَلَى أفْقَرَ مِنَّا؟ فَضَحِكَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: أطْعِمْهُ عِيَالَكَ“
[رواه أبو هريرة، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
2- الاستقاءة عمدًا
المقصود بالاستقاءة التكلف في القيء بتعمد إخراج ما في الجوف، ولقد أكد جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة والمالكية إلى أن الاستقاءة تبطل الصيام، واستدلوا على صحة ذلك بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال:
“قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن ذرعَهُ قَيءٌ وَهوَ صائمٌ، فلَيسَ علَيهِ قضاءٌ، وإن استَقاءَ فليقضِ“
[رواه أبو هريرة، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود].
3- تعمد الأكل أو الشرب
أتفق جمهور العلماء على أن الأكل أو الشرب عمدًا يبطل الصيام ويفسده سواءً في رمضان أو في غيره، ويحمل المسلم وزرًا على ذلك ما لم يكن لديه عذرًا ورخصة شرعية.
4- دخول شيء إلى الجوف من منفذ مفتوح
أكد أئمة المذاهب الأربعة على أن المعدة من الجوف والدماغ أيضًا من الجوف وكذلك الحلق، لذا يعد دخول أي شيء إلى الجوف مفسدة للصيام.
5- الارتداد عن الدين
ارتداد المسلم أو رجوعه عن دينه يفسد الصيام؛ لأنه يشترط أن يكون الشخص مسلمًا كي يصوم ويكون صيامه مقبولًا.
6- الحيض والنفاس والولادة
من الثوابت في الدين الإسلامي أن المرأة الحائض أو التي ذهبت للولادة وخلال فترة النفاس لا تلزم بصوم أو بصلاة لأن هذا الأمر خارج عن إرادتها، ولكن يجب تعويض هذه الأيام فيما بعد.
أركان الصيام
للصيام في الإسلام أركان يجب أن تراعى يقبل الصيام بناءً عليها ويكون صحيحًا، وهذه الأركان تتلخص فيما يلي:
1- إخلاص النية
إن النية مكانها في القلب وتعني اعتقاده وعزمه على فعل شيء معين، ومن الدلائل على حقيقة أن النية هي من أهم أركان الصيام هذا الحديث:
“عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يبيِّتِ الصِّيامَ قبلَ الفَجرِ، فلا صيامَ لَهُ“
[روته أم المؤمنين حفصة بنت عمر، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح النسائي].
كما أنه يوجد ما يدل على أن النية من أركان الصحة لكل الأعمال في حياة الإنسان، ونستدل على صدق ذلك بهذا الحديث:
“عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ”
[رواه عمر بن الخطاب، وحدثه البخاري، المصدر: صحيح البخاري].
اقرأ أيضًا: قوة الدعاء في تحقيق المستحيل .. قوة الدعاء في ليلة القدر
2- الإمساك عن سائر المفطرات
إن المقصود بالإمساك عن سائر المفطرات هو البعد واعتزال الطعام والشراب والجماع من وقت طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، والدليل على ذلك ما ورد في كتب الله تعالى وقوله:
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [سورة البقرة: الآية رقم 187].
حيث أشار علماء الدين والفقه الإسلامي إلى أن الخيط الأبيض يقصد به في هذه الآيات الكريمة بياض النهار، بينما يقصد بالخيط الأسود سواد الليل.
من خلال الإجابة عن سؤال إذا شربت ماء وأنا صائم في غير رمضان يتبين لنا مدى تسامح الإسلام وتيسيره وعدم تعنته مع المسلمين وعباد الله الذين يرغبون في التقرب إليه بصالح الأعمال.